فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال أبو السعود:

{ذلك} إشارةٌ إلى الله عزَّ وجلَّ باعتبار اتصافه بما ذُكر من خلق السَّموات والأرض والاستواء على العرش وانحصار الولاية والنُّصرة فيه وتدبير أمر الكائنات على ما ذُكر من الوجه البديع وهو مبتدأٌ خبرُه ما بعْدَه أي ذلك العظيمُ الشَّأن {عالم الغيب والشهادة} فيدبّر أمرَهما حسبما تقتضيه الحكمةُ {العزيز} الغالبُ على أمره {الرحيم} على عباده وهُما خبران آخران وفيه إيماءٌ إلى أنَّه تعالى متفضّلٌ في جميع ما ذُكر فاعلٌ بالإحسان.
{الذى أَحْسَنَ كُلَّ شيء خَلَقَهُ}.
خبرٌ آخرُ أو نصب على المدح أي حسّن كلَّ مخلوقٍ خلقَه إذ ما من مخلوقٍ خلقَه إلا وهو مرتبٌ على ما تقتضيه الحكمةُ وأوجبته المصلحة فجيمعُ المخلوقات حسنةٌ وإن تفاوتت إلى حسنٍ وأحسنَ كما قال تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان في أَحْسَن تَقْويمٍ} وقيل: علم كيفَ يخلقُه من قوله: قيمةُ المرء ما يُحسن، أي يُحسن معرفَته أي يعرفه معرفةً حسنةً بتحقيقٍ وإيقانٍ. وقُرىء خلْقَه على أنه بدلُ اشتمالٍ من كلّ شيءٍ والضَّميرُ للمبدَل منه أي حسّن خلقَ كلّ شيءٍ وقيل: بدلُ الكلّ على أن الضَّميرَ للَّه تعالى والخلقُ بمعنى المخلوق أي حسّن كلَّ مخلوقاته وقيل: هو مفعولٌ ثانٍ لأحسنَ على تضمُّنه معنى أعطَى أي أعطَى كلَّ شيءٍ خلقَه اللائقَ به بطريق الإحسان والتَّفضل وقيل هو مفعولُه الأولُ وكلّ شيءٍ مفعولُه الثاني والخلقُ بمعنى المخلوق وضميرُه لله سبحانَه على تضمين الإحسان معنى الإلهام والتَّعريف والمَعنى ألهم خلقَه كلَّ شيءٍ ممَّا يحتاجون إليه وقال أبو البقاء عرَّفَ مخلوقاته كلَّ شيءٍ يحتاجُون إليه فيؤول إلى مَعنى قوله تعالى: {الذى أعطى كُلَّ شيء خَلْقَهُ ثُمَّ هدى} {وَبَدَأَ خَلْقَ الإنسان} من بين جميع المخلوقات {من طينٍ} على وجهٍ بديعٍ تحارُ العقولُ في فهمه حيثُ برَأ آدمَ عليه السَّلامُ على فطرةٍ عجببةٍ منطويةٍ على فطرة سائر أفراد الجنس انطواءً إجماليًا مستتبعًا كلَّ فردٍ منها من القوة إلى الفعل بحسب استعداداتها المتفاوتة قُربًا وبُعدًا كما يُنبىء عنه قولُه تعالى: {ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ} إلخ أي ذُريَّتَه سُميتْ بذلك لأنَّها تنسلُ وتنفصلُ منه {من سُلاَلَةٍ مّن مَّاء مَّهينٍ} هو المنيُّ المُمتهنُ {ثُمَّ سَوَّاهُ} أي عدَّله بتكميل أعضائه في الرَّحم وتصويرها على ما ينبغي {وَنَفَخَ فيه من رُّوحه} أضافَه إليه تعالى تَشريفًا له وإيذانًا بأنَّه خلقٌ عجيبٌ وصنعٌ بديعٌ وأنَّ له شأنًا له مناسبةٌ إلى حضرة الرُّبوبية وأنَّ أقصى ما تنتهي إليه العقولُ البشريةُ من معرفته هذا القدرُ الذي يُعبر عنه تارةً بالإضافة إليه تعالى وأُخرى بالنسبة إلى أمره تعالى كما في قوله تعالى: {قُل الروح منْ أَمْر رَبّى} {وَجَعَلَ لَكُمُ السمع والابصار والافئدة} الجعلُ إبداعيٌّ واللامُ متعلقة به والتقديمُ على المفعول الصَّريح لما مرَّ مراتٍ من الاهتمام بالمقدَّم والتَّشويق إلى المؤخَّر مع ما فيه من نوع طولٍ يخل تقديُه بجزالة النَّظم الكريم، أي خلق لمنفعتكم تلك المشاعرَ لتعرفُوا أنها مع كونها في أنفسها نعمًا جليلةً لا يُقادر قدرُها وسائلُ إلى التَّمتع بسائر النّعم الدّينية والدُّنيوية الفائضة عليكم وتشكروها بأنْ تصرفُوا كلًا منها إلى ما خُلق هو له فتُدركوا بسمعكم الآيات التنزيليةَ الناطقةَ بالتَّوحيد والبعث وبأبصاركم الآيات التكوينيةَ الشاهدةَ بهما وتستدلُّوا بأفئدتكم على حقّيَّتهما. وقولُه تعالى: {قَليلًا مَّا تَشْكُرُونَ} بيانٌ لكفرهم بتلك النّعم بطريق الاعتراض التَّذييليّ على أنَّ القلَّةَ بمعنى النَّفي كما يُنبىء عنه ما بعده أيُ شكرًا قليلًا أو زمانًا قليلًا تشكرون. وفي حكاية أحوال الإنسان من مبدأ فطرته إلى نفخ الرُّوح فيه بطريق الغَيبة وحكاية أحواله بعد ذلك بطريق الخطاب المنبىء عن استعداده للفهم وصلاحيته له من الجَزَالة ما لا غايةَ وراءَهُ.
{وَقَالُوا} كلامٌ مستأنفٌ مسوقٌ لبيان أباطيلهم بطريق الالتفات وإيذانًا بأنَّ ما ذُكر من عدم شكرهم بتلك النّعم موجبٌ للإعراض عنهم وتعديد جناياتهم لغيرهم بطريق المباثة {أَءذَا ضَلَلْنَا في الأرض} أي صرنا ترُابًا مخلوطًا بترابها بحيثُ لا نتميَّز منه أو غبنا فيها بالدَّفن. وقُرىء ضللنا بكسر اللام من باب عَلمَ وصللنا بالصاد المهلمة من صلَّ اللحمُ إذا أنتنَ وقيل: من الصّلة وهي الأرضُ أي صرنا من جنس الصّلَّة قيل: القائلُ أبيُّ ابنُ خَلَفٍ، ولرضاهم بقوله أُسند القولُ إلى الكلّ. والعاملُ في إذا ما يدلُّ عليه قولُه تعالى: {أءنَّا لَفى خَلْقٍ جَديدٍ} وهو نبعثُ أو يُجدد خلقَنا، والهمزةُ لتذكير الإنكار السَّابق وتأكيده. وقُرىء إنَّا على الخبر، وأيًّا ما كان فالمَعنى على تأكيد الإنكار لا إنكارٍ التَّأكيد كما هو المُتبادر من تقدم الهمزة على إنَّ فإنها مؤخَّرةٌ عنها في الاعتبار وإنَّما تقديُمها عليها لاقتضائها الصَّدارةَ {بَلْ هُم بلَقَاء رَبّهمْ كافرون} إضرابٌ وانتقالٌ من بيان كفرهم بالبعث إلى بيان ما هُو أبلغُ وأشنعُ منه وهو كفرُهم بالوصول إلى العاقبة وما يلقَونه فيها من الأحوال والأهوال جميعًا. اهـ.

.قال الألوسي:

{ذلك} أي الذات الموصوف بتلك الصفات المقتضية للقدرة التامة والحكمة العامة {عالم الغيب} أي كل ما غاب عن الخلق {والشهادة} أي كل ما شاهده الخلق فيدبر سبحانه ذلك على وفق الحكمة، وقيل: الغيب الآخرة والشهادة الدنيا {العزيز} الغالب على أمره {الرحيم} للعباد، وفيه إيماء بأنه عز وجل متفضل فيما يفعل جل وعلا، واسم الإشارة مبدأ والأوصاف الثلاثة بعده أخبار له، ويجوز أن يكون الأول خبرًا والأخير نعتان للأول.
وقرأ زيد بن علي رضي الله تعالى عنهما بخفض الأوصاف الثلاثة على أن ذلك إشارة إلى الأمر مرفوع المحل على أنه فاعل {يَعْرُجُ} [السجدة: 5] والأوصاف مجرورة على البدلية من ضمير {إلَيْه} وقرأ أبو زيد النحوي بخفض الوصفين الأخيرين على أن {ذلك} إشارة إلى الله تعالى مرفوع المحل على الابتداء و{عالم} خبره والوصفان مجروران على البدلية من الضمير، وقوله تعالى: {الذى أَحْسَنَ كُلَّ شيء خَلَقَهُ} خبر رابع أو نعت ثالث أو نصب على المدح، وجوز أبو البقاء كونه خبر مبتدأ محذوف أي هو الذي، وكون {العزيز} مبتدأ و{الرحيم} صفته وهذا خبره وجملة {خَلَقَهُ} في محل جر صفة {شَىْء} ويجوز أن تكون في محل نصب صفة {كُلٌّ} واحتمال الاستئناف بعيد أي حسن سبحانه كل مخلوق من مخلوقاته لأنه ما من شيء منها إلا وهو مرتب على ما اقتضته الحكمة واستدعته المصلحة فجميع المخلوقات حسنة وإن تفاوتت في مراتب الحسن كما يشير إليه قوله تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان في أَحْسَن تَقْويمٍ} [التين: 4] ونفي التفاوت في خلقه تعالى في قوله سبحانه: {مَّا ترى في خَلْق الرحمن من تفاوت} [الملك: 3] على معنى ستعرفه إن شاء الله تعالى غير مناف لما ذكر، وجوز أن يكون المعنى علم كيف يخلقه من قوله: قيمة المرء ما يحسن وحقيقته يحسن معرفته أي يعرفه معرفة حسنة بتحقيق وإيقان، ولا يخفى بعده.
وقرأ العربيان وابن كثير {خَلَقَهُ} بسكون اللام فقيل: هو بدل اشتمال من {كُلٌّ} والضمير المضاف هو إليه له وهو باق على المعنى المصدري، وقيل: هو بدل كل من كل أو بدل بعض من كل والضمير لله تعالى وهو بمعنى المخلوق، وقيل: هو مفعول ثان لأحسن على تضمينه معنى أعطى أي أعطى سبحانه كل شيء خلقه اللائق به بطريق الإحسان والتفضل، وقيل: هو المفعول الأول و{كُلّ شَىْء} المفعول الثاني وضميره لله سبحانه على تضمين الإحسان والتفضل، وقيل: هو المفعول الأول و{كُلّ شَىْء} المفعول الثاني وضميره لله سبحانه على تضمين الإحسان معنى الإلهام كما قال الفراء أو التعريف كما قال أبو البقاء، والمعنى الهم أو عرف خلقه كل شيء مما يحتاجون إليه فيؤول إلى معنى قوله تعالى: {أعطى كُلَّ شيء خَلْقَهُ ثُمَّ هدى} [طه: 50].
واختار أبو علي في الحجة ما ذكره سيبويه في الكتاب أنه مفعول مطلق لأحسن من معناه والضمير لله تعالى نحو قوله تعالى: {صُنْعَ الله} [النمل: 88] و{وَعَدَ الله} [النور: 55] {وَبَدَأَ خَلْقَ الإنسان} أي آدم عليه السلام {من طينٍ} أو بدأ خلق هذا الجنس المعروف {من طينٍ} حيث بدأ خلق آدم عليه السلام خلقًا منطويًا على فطرة سائر أفراد الجنس انطواء إجماليًا منه، وقرأ الزهري {بَدَأَ} بالألف بدلًا من الهمزة قال في البحر وليس القياس في هدأ هذا بإبدال الهمزة ألفًا بل قياس هذه الهمزة التسهيل بين بين على أن الأخفش حكى في قرأت قريت قيل: وهي لغة الأنصار فهم يقولون في بدأ بدي بكسر عين الكلمة وياء بعدها، وطيء يقولون في فعل هذا نحو بقي بقي كرمي فاحتمل أن تكون قراءة الزهري على هذه اللغة بأن يكون الأصل بدي ثم صار بدًا، وعلى لغة الأنصار قال ابن رواحة:
باسم الإله وبه بدينا ** ولو عبدنا غيره شقينا

{ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ} أي ذريته سميت بذلك لأنها تنسل وتنفصل منه {من سلالة} أي خلاصة وأصلها ما يسل ويخلص بالتصفية {مّن مَّاء مَّهينٍ} ممتهن لا يعتني به وهو المني.
{ثُمَّ سَوَّاهُ} عدله بتكميل أعضائه في الرحم وتصويرها على ما ينبغي، وأصل التسوية جعل الأجزاء متساوية، و{ثُمَّ} للترتيب الرتبي أو الذكري.
{وَنَفَخَ فيه من رُّوحه} أضاف الروح إليه تعالى تشريفًا له كما في بيت الله تعالى وناقة الله تعالى وإشعارًا بأنه خلق عجيب وصنع بديع، وقيل: إضافة لذلك إيماء إلى أن له شأنه له مناسبة ما إلى حضرة الربوبية.
ومن هنا قال أبو بكر الرازي: م عرف نفسه فقد عرف ربه، ونفخ الروح قيل: مجاز عن جعلها متعلقة بالبدن وهو أوفق بمذهب القائلين بتجرد الروح وأنها غير داخلة في البدن من الفلاسفة وبعض المتكلمين كحجة الإسلام الغزالي عليه الرحمة، وقيل: هو على حقيقته والمباشر له الملك الموكل على الرحم وإليه ذهب القائلون بأن الروح جسم لطيف كالهواء سار في البدن سريان ماء الورد في الورد والنار في الجمر، وهو الذي تشهد له ظواهر الأخبار وأقام العلامة ابن القيم عليه نحو مائة دليل.
{وَجَعَلَ لَكُمُ السمع والابصار والافئدة} التفات إلى الخطاب لا يخفى موقع ذكره بعد نفخ الروح وتشريفه بخلعة الخطاب حين صلح للخطاب والجعل إبداعي واللام متعلقة به، والتقديم على المفعول الصريح لما مر مرارًا من الاهتمام بالمقدم والتشويق إلى المؤخر مع ما فيه من نوع طول يخل تقديمه بجزالة النظم الكريم، وتقديم السمع لكثرة فوائده فإن أكثر أمور الدين لا تعلم إلا من جهته وأفرد لأنه في الأصل مصدر.
وقيل: للإيماء إلى أن مدركه نوع واحد وهو الصوت بخلاف البصر فإنه يدرك الضوء واللون والشكل والحركة والسكون وبخلاف الفؤاد فإنه يدرك مدركات الحواس بواسطتها وزيادة على ذلك أي خلق لمنفعتكم تلك المشاعر لتعرفوا أنها مع كونها في أنفسها نعمًا جليلة لا يقادر قدرها وسائل إلى التمتع بسائر النعم الدينية والدنيوية الفائضة عليكم وتشكروها بأن تصرفوا كلًا منها إلى ما خلق هو له فتدركوا بسمعكم الآيات التنزيلية الناطقة بالتوحيد والبعث وبأبصاركم الآيات التكوينية الشاهدة بهما وتستدلوا بأفئدتكم على حقيقتها، وقوله تعالى: {قَليلًا مَّا تَشْكُرُونَ} بيان لكفرهم بتلك النعم بطريق الاعتراض التذييلي والقلة بمعنى النفي كما ينبى عنه ما بعده ونصب الوصف على أنه صفة لمحذوف وقع معمولًا لتشكرون أي شكرًا قليلًا تشكرون أو زمانًا قليلًا تشكرون.
واستظهر الخفاجي عليه الرحمة كون الجملة حالية لا اعتراضية.
{وَقَالُوا} كلام مستأنف مسوق لبيان أباطيلهم بطريق الالتفات إيذانًا بأن ما ذكر من عدم شكرهم تلك النعم موجب للإعراض عنهم وتعديد جناياتهم لغيرهم بطريق المباثة، وروى أن القائل أبي بن خلف فضمير الجمع لرضا الباقين بقوله: {أَءذَا ضَلَلْنَا في الأرض} أي ضعنا فيها بأن صرنا ترابًا مخلوطًا بترابها بحيث لا نتميز منه فهو من ضل المتاع إذا ضاع أو غبنا فيها بالدفن وإن لم نصر ترابًا وإليه ذهب قطرب، وأنشد قول النابغة يرثي النعمان بن المنذر:
وآب مضلوه بعين جلية ** وغودر بالجولان حزم ونائل

وقرأ يحيى بن يعمر وابن محيصن وأبو رجاء وطلحة وابن وثاب {ضَلَلْنَا} بكسر اللام ويقال: ضل يضل كضرب يضرب وضل يضل كعلم يعلم وهما بمعنى والأول اللغة المشهورة الفصيحة وهي لغة نجد والثاني لغة أهل العالية.
وقرأ أبو حيوة {ضَلَلْنَا} بضم الضاد المعجمة وكسر اللام ورويت عن علي كرم الله تعالى وجهه.
وقرأ الحسن. والأعمش. وإبان بن سعيد بن العاصي {صللنا} بالصاد المهملة وفتح اللام ونسبت إلى علي كرم الله تعالى وجهه.
وابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وعن الحسن أنه كسر اللام ويقال فيه نحو ما يقال في ضل بالضاد المعجمة وزيادة أصل بالهمزة كأفعل، قال الفراء: والمعنى صرنا بين الصلة وهي الأرض اليابسة الصلبة كأنها من الصليل لأن اليابس الصلب إذا انشق يكون له صليل، وقيل: أنتنا من الصلة وهو النتن، وقيل: للأرض الصلة لأنها است الدنيا وتقول العرب ضع الصلة على الصلة، وقال النحاس لا نعرف في اللغة صللنا ولكن يقال أصل اللحم وصل وأخم وخم إذا نتن وهذا غريب منه.
وقرأ ابن عامر {قَبْلكُمْ إذَا} بترك الاستفهام والمراد الإخبار على سبيل الاستهزاء والتهكم والعامل في {إذَا} ما دل عليه قوله تعالى: {إنَّكُمْ لَفى خَلْقٍ جَديدٍ} وهو نبعث أو يجدد خلقنا، ولا يصح أن يكون هو العامل لمكان الاستفهام وإن وكل منهما لا يعمل ما بعده فيما قبله ويعتبر ما ذكر من نبعث أو يجدد خلقنا جوابًا لاذا إذا اعتبرت شرطية لا ظرفية محضة والهمزة للإنكار والمراد تأكيد الإنكار لا إنكار التأكيد كما هو المتبادر من تقديمها على أداته فإنها مؤخرة عنها في الاعتبار وتقديمها عليها لقوة اقتضائها الصدارة.
وقرأ نافع والكسائي ويعقوب {أَنَا} بترك الاستفهام على نحو ما ذكر آنفًا {بَلْ هُم بلَقَاء رَبّهمْ كافرون} إضراب وانتقال عن بيان كفرهم بالبعث إلى بيان ما هو أبلغ وأشنع منه وهو كفرهم بلقاء ملائكة ربهم عند الموت وما يكون بعده جميعًا، وقيل: هو إضراب وترق من التردد في البعث واستبعاده إلى الجزم بجحده بناء على أن لقاء الرب كناية عن البعث، ولا يضر فيه على ما قال الخفاجي كون الاستفهام السابق إنكاريًا وهو يؤل إلى الجحد فتأمل. اهـ.